-->

قصة صلاح الدين الأيوبي

قصة صلاح الدين الأيوبي

    قصة صلاح الدين الأيوبي 


    قصة صلاح الدين الأيوبي





    خلال القرن السادس الهجري أصاب الخلافة العباسية حالة من الضعف و ظهرت دولة خلافة أخرى منافسة لها و هي الدولة الفاطمية التي حكمت مصر و شمال إفريقيا و هكذا إنقسم العالم الإسلامي بين خلافتين الخلافة العباسية السنية في بغداد و الخلافة الفاطمية الشيعية في القاهرة.

    بالإضافة إلى انقسام العالم الإسلامي كانت الدولة العباسية قد تفككت من الداخل و استقل كل والي بولايته و كان السلاطين تابعين بالولاء اسميا فقط للخليفة العباسي و كان أقوى هؤلاء السلاطين في تلك المرحلة هم السلاجقة في بلاد الشام و الأناضول،ظهر خطر آخر من الغرب هدد العالم الإسلامي و هو خطر الحملات الصليبية و هي حملات عسكرية قادها ملوك أوروبا بمباركة الكنيسة الكاثوليكية و قد نجح الصليبيون في انتزاع مدينة القدس من المسلمين سنة 493 هجرية و تأسيس عدد من الإمارات الصليبية على سواحل بلاد الشام.

    بذلك أصبح هناك ثلاث قوى متناحرة في المنطقة هم الصليبيون في القدس و سواحل الشام و السلاجقة التابعين اسميا للخلافة العباسية و الدولة الفاطمية في القاهرة و التي كانت ندا للخلافة العباسية، كانت الدولة الفاطمية في أواخر عهدها حيث دب فيها الضعف و فقدت هيبتها و كان زوالها محتوما و متوقعا لذلك سعى و تسابق كل من السلطان السلجوقي (نور الدين زنكي) و ملك القدس الصليبي (عموري) للسيطرة على مصر و إنهاء حكم الفاطميين فمن سيتمكن من السيطرة على مصر أولا سيتمكن من حسم الصراع لصالحه.

     أرسل (نور الدين زنكي) ثلاث حملات للسيطرة على مصر بقيادة القائد الكردي (أسد الدين شريكوه) و رافقه ابن أخيه (صلاح الدين الأيوبي) الذي كان حينها شلب في 26 من عمره، بعد صراع طويل بين (أسد الدين شريكوه) و الدولة الفاطمية من جهة و الصليبيين من جهة أخرى الذين أرسلوا جيوشهم للسيطرة على مصر نجح (شريكوه) في السيطرة على مصر و اضطر الخليفة الفاطمي (العاضد) في النهاية إلى تعيين (شريكوه) في منصب الوزارة.

     في أواخر عهد الدولة الفاطمية كان الوزراء هم الحكام الفعليون للبلاد و كان الخليفة الفاطمي مجرد واجهة فقط و مع تعيين (أسد الدين شريكوه) كوزير للخليفة الفاطمي أصبح هو الحاكم الفعلي لمصر و بعد وفاة (شريكوه) تولى منصب الوزارة من بعده ابن أخيه (صلاح الدين)، في تلك الفترة شعر الصليبيون بالخطر فأرسل ملك القدس الصليبي(عموري) حملة على مصر بالإشتراك مع قوات من الإمبراطورية البيزنطية و حاصروا مدينة دمياط لكن تمكن (صلاح الدين) من هزيمة الجيش الصليبي و البيزنطي و هكذا وطد (صلاح الدين) مكانته و حكمه في مصر.

    تلقى (صلاح الدين) أمرا من سيده في الشام (نور الدين زنكي) طالبا منه إيقاف الدعاء إلى الخليفة الفاطمي و استبدال ذلك بالدعاء إلى الخليفة العباسي (المستضئ بالله) في مساجد القاهرة و كان الخليفة الفاطمي (العاضد) في ذلك الوقت رجل مريض على فراش الموت في أواخر أيام حياته ، في أول جمعة من سنة 567 هجرية تم الدعاء في مساجد القاهرة للخليفة العباسي بدلا من الخليفة الفاطمي و كان ذلك بمثابة إعلان لسقوط الخلافة الفاطمية في مصر و تبعية مصر للخلافة العباسية و لم يلبث الخليفة الفاطمي (العاضد) طويلا حتى فارق الحياة و بهذا زالت الذولة الفاطمية بعد أن استمرت 262 سنة.

    أصبح (صلاح الدين) هو الحاكم الفعلي لمصر و أسس أسرة حاكمة جديدة هي الأسرة الأيوبية و بدأ بتوطيد سلطانه فيها و مع تزايد قوة و نفوذ (صلاح الدين) في مصر إزداد خوف سيده(نور الدين زنكي) في الشام و أخذت العلاقة بينهم تتوتر حتى وصلت إلى خطر التهديد بالحرب بينهما لكن إنتهت تلك الأزمة بوفاة (نور الدين زنكي) سنة 569 هجرية. بعد وفاة (نور الدين زنكي) اضطربت الأوضاع في بلاد الشام ووقع الكثير من الشقاقات و النزاعات على الحكم و هنا استغل (صلاح الدين) ذلك و قرر ضم بلاد الشام إلى ملكه و توحيد الجبهة الإسلامية ضد الصليبيين .

    مع حلول عام 578 هجرية كان (صلاح الدين) قد ضم إلى ملكه مصر و الشام و العراق و غرب الجزيرة العربية و قد اكتسب (صلاح الدين) الشرعية لحكمه حيث اعترف به الخليفة العباسي (المستضئ بالله) و منحه لقب سلطان مصر و الشام و هكذا تأسست الدولة الأيوبية، كان (صلاح الدين) قد أقر هدنة مع الملك (بولدوين الرابع) ملك القدس الصليبي لكن بعد توحيد (صلاح الدين) للجبهة الإسلامية و تأسيسه لدولة إسلامية موحدة و قوية تحيط بالصليبيين من جميع الجبهات بدأت أنظاره تتجه لقتال الصليبيين و بدأ ينتظر اللحظة المناسبة .

    أتت الفرصة ل (صلاح الدين) حين قام (أرناط) حاكم قلعة الكرك بالهجوم على قافلة تجارية ضخمة من المسلمين فقتل أفرادها و نهب أموالهم في نقد واضح للهدنة بين (صلاح الدين) و الصليبيين و بدأ في الإستهزاء بالنبي (محمد) و التهديد بمهاجمة مدن المسلمين المقدسة ، غضب (صلاح الدين) و جهز الجيش لحصار قلعة الكرك التي يحكمها (أرناط) وقد أقسم (صلاح الدين) على قتله إذا ظفر به إنتقاما لما فعل .


    في تلك الأثناء مات الملك (بولدوين الرابع) ملك القدس و تولى من بعده (جي لوزنيون) الذي استشعر قوة و خطر (صلاح الدين) فتحالف مع (أرناط) حاكم الكرك و استمر (أرناط ) في مهاجمة قوافل المسلمين التجارية و قوافل الحجاج و بدأ الصليبيون في تجهيز أكبر جيش تمكنوا من حشده لقتال (صلاح الدين) في معركة كبرى.، يوم 25 ربيع الآخر سنة 583 هجرية نزل الصليبيون في حطين و كان (صلاح الدين) قد سبقهم إلى هناك و تمركز جيشه في مواقع مناسبة حيث تمكنوا من السيطرة على منابع المياه و كانت تجهيزات الصليبيين الثقيلة هي سبب تأخرهم في الوصول و لما وصلوا إلى حطين كانوا هالكين من العطش.

    اصطف الجيشان و كان الصليبيون متحمسين في البداية للحصول على الماء فهزموا المسلمين في أول النهار و لكن دارت الدوائر في آخر النهار و استمرت المعركة ساعات طويلة و ما أن انقشع غبارها حتى تبين مدى الكارثة التي لحقت بالصليبيين، هزم الصليبيون شر هزيمة في معركة حطين و تم أسر الملك (جي ليزنيون) و رفيقه (أرناط) و عندما مثلوا أمام (صلاح الدين) قدم للملك (جي) قدح من الماء المثلج فشربها ثم ناول القدح ل(أرناط) فقال (صلاح الدين) للملك (جي) ((إنما ناولتك ولم آذن لك أن تسقيه فلا عهد له عندي)) ثم سل (صلاح الدين) سيفه و قتل (أرناط) فخاف الملك (جي) معتقدا أنه سيلحق به لكن (صلاح الدين) طيب قلبه و طمأنه.

    بعد إنتصار (صلاح الدين) في موقعة حطين رأى أنه من الأفضل أن يستولي على مدن الساحل الشامي قبل التوجه للقدس فقام بحملات واسعة على مدن الساحل الشامية الخاضعة للصليبيين و استرجع أغلب مدن الساحل و لم يصمد أمامه إلا صور و طرابلس و جزء من إمارة أنطاكيا، بعد انتزاع (صلاح الدين) أغلب مدن الساحل الشامي إتجه إلى مدينة القدس سنة 583 هجرية و لم يكن في المدينة قوة صليبية كبيرة حيث لم يزيد عدد الجنود عن 1400 جندي كان يقودهم (باليان) أحد الفرنسان الفرنسيين و قد كان ماهرا في إذارة القتال أمام قوات (صلاح الدين) و قد رفض في البداية تسليم القدس ل (صلاح الدين).

    ظل (صلاح الدين) يحاصر القدس لمدة 14 يوم تخللها الكثير من القتال و المفاوضات و كان الصليبيون يخشون أن يقتل المسلمون كل المسيحيين في المدينة كما فعل الصليبيون في المسلمين عند احتلالهم للمدينة لكن في النهاية قبل القائد (بليان) بتسليم المدينة بعد أن عاهده (صلاح الدين) على حفظ الأرواح و المقدسات و دخل (صلاح الدين) و جيشه القدس في 27 رجب سنة 583 هجرية، سمح (صلاح الدين) للمسيحيين الغربيين بمغادرة المدينة مقابل فدية يدفعوها عن أنفسهم و ترك المسيحيين الشرقيين داخل المدينة و سمح لليهود بالعيش في المدينة .

    كان سقوط القدس في يد (صلاح الدين) له صدى كبير في أوروبا فقد دعى البابا (جريجوري الثامن) ملوك أوروبا للخروج في حملة صليبية جديدة لإسترجاع القدس من أيدي المسلمين و قد استجاب ملوك أوروبا لدعوة البابا ، لبى ملوك أوروبا دعوة البابا و قاموا بتجهيز حملة ضخمة لإسترجاع القدس و كان يقود تلك الحملة ثلاثة من أعظم ملوك أوروبا و هم (ريتشارد قلب الأسد) ملك إنجلترا و (فيليب أغسطس) ملك فرنسا و (فريدريك برباروسا) إمبراطور ألمانيا.

    كان أول الواصلين هو الإمبراطور الألماني (فريدريك بارباروسا) فقد سلك الطريق البري و عبر أراضي الإمبراطورية البيزنطية ثم اتجه للشرق و عبر أرض السلاجقة في الأناضول و قد ترك الجيش الألماني ورائه الكثير من الخراب و الدمار في كل المدن التي مر بها، فشل الجيش الأماني في الوصول للقدس بسبب طول المسافة و حلول فصل الشتاء و أيضا لم يرغب الإمبراطور البيزنطي بإمداد الجيش الألماني بالمؤن وقد إشتبك الكثير من الأمراء السلاجقة مع الجيش الغازي على طول الطريق بالإضافة إلى غرق الإمبراطور (فريدريك بارباروسا) في أحد الأنهار مما شتت الجيش و دار الخلاف حول من يخلفه و هكذا و تشتت الجيش الألماني و فشل في الوصول للقدس.

    نجح الملك الإنجليزي (ريتشارد قلب الأسد) و الملك الفرنسي (فيليب أغسطس) في الوصول للشرق و سرعان ما سقطت في أيديهم مدينة عكا سنة 587 هجرية ثم اشتبكت جيوش (صلاح الدين) مع جيوش (ريتشارد قلب الأسد) في معركة أرسوف التي انهزم فيها (صلاح الدين)، بالرغم من إنتصارات الصليبيين إلا أنهم لم يتمكنوا أبدا من التوغل في قلب بلاد الشام و فشلت كل محاولاتهم لغزو القدس فلجأ الصليبيون إلى عقد الصلح مع (صلاح الدين) خصوصا بعد عودة ملك فرنسا و إضطراب الأوضاع في إنجلترا.

    لجأ (صلاح الدين) و (ريتشارد قلب الأسد) إلى الصلح سنة 588 هجرية في صلح عرف بصلح الرملة بعد أن أجهدت الحرب الفريقين و بموجبه تنحصر مملكة الصليبيين في شريط ساحلي ما بين يافا و صور و تظل القدس في أيدي المسلمين مع السماح للمسيحيين بالحج إليها و تبقى عكا في يد الصليبيين ،كان الصلح مع (ريتشارد قلب الأسد) هو آخر أعمال (صلاح الدين) حيث توفي بعدها بفترة قصيرة سنة 589 هجرية ودفن في دمشق و كان (صلاح الدين ) قد قسم الدولة الأيوبية بين أبنائه و أخواته و يعتبر المؤرخون أن تلك كانت غلطة (صلاح الدين) الكبرى حيث تفككت الدولة الأيوبية بعد وفاته و دب فيها الصراع بين الأمراء الأيوبيين.
    baba yaga
    @مرسلة بواسطة
    كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع عين الابل .